اعلان اسفل القائمة العلوية

ميدان التحرير: دماء وزغاريد تعيد رسم صورة شعب وذكريات أمة

ميدان التحرير: من
عدد المشاهدات: 521
تكتسب الأماكن حياة خاصة عندما تلتحم بالذكريات التي ارتبطت بها وصنعت شخصيتها. وميدان التحرير ليس استثناء من هذه الأمكنة. كان جزءا من مدينة القاهرة على مدى قرون. ومنذ أخذ شكلهالحالي في نهاية القرن التاسع عشر انتابته تحولات عديدة ارتبطت بتاريخه. إلا أن الأسبوعين الأخيرين كان لهما أثر خاص. وكل يوم فيهما كان يكسب الميدان شخصية ومذاقا ومعان جديدة.
في يوم الغضب، 28 يناير، كان الميدان وشوارعه المحيطة ساحة للقتال. وفي الأيام التي تليه تقلبت وجوهه. فمرة هو مسرح لعرس، وتارة هو مسجد يصلى فيه مئات الآلاف، ثم كنيسة تتردد في أرجائها الترانيم. وفي نهاية اليوم، يتحول إلى ساحة للرقص والغناء. بل وفي إحدى تحولات أيام الثورة كان الميدان حلبة تسابقت فيها الخيول والجمال!

عرف باسم ميدان الإسماعيلية، نسبة إلى الخديوي إسماعيل، حتي أكسبته ثورة الجيش المصرية اسمه الجديد في عام 1952. ومعه تخلص الميدان من ثكنات جنود الاحتلال البريطاني وجزءا من تاريخه القديم.

في النصف الثاني من القرن العشرين ارتسمت للميدان ومعالمه المحيطة صورتان متلازمتان. فهو من جهة رسمي جهم، بحكم وجود مقر جامعة الدول العربية التي
طالما تصدرت واجهتها المطلة على الميدان نشرات الأخبار. وارتبطت في أذهان العرب بجولات ومفاوضات وتصريحات وبيانات أغلبها شجب وأقلها إشادة. أضف إلى ذلك وجود مبنى مجمع التحرير الذي ظل لسنوات مقر الإدارة المركزية لعموم القطر المصري على مدى سنوات. لا يمكن لمصري في طول البلاد وعرضها أن يستخرج بطاقة هوية أو سفر دون أن يمر عليه.

أما صورته الأخرى فترسم ابتسامة لا يستطيع مغالبتها عشاق السينما المصرية، عندما يتذكرون أن المجمع والميدان كانا خلفية ومسرحا لكثير من كوميديا ورومانسيات الأفلام. ففي مجمع التحرير دارت أحداث فيلم "الإرهاب والكباب" لممثل الكوميديا عادل إمام، وأمامه وقف الفنان كمال الشناوي ليردد أمام المعتصمين، في دور وزير الداخلية: “الحكومة ما لهاش دراع –ذراع - عشان تتلوي منه”. وفي الأسابيع الأخيرة استعاد المتوترون، على تويتر، والمفسبكون، على فيسبوك، العبارة نفسها في إشارة إلى أن وزير الداخلية السابق ربما يتبنى نفس الفكرة ولكن مع الفارق. فالأحداث الأخيرة وما تبعها ربما اثبتت أن الحكومة لها، ليس ذراعا واحدا فحسب، بل أكثر من ذراع.

ويصب في الميدان من جهته الشرقية كوبري قصر النيل. اكتسب اسمه من القصر الذي جاوره والذي بناه الوالي محمد علي لابنته زينب لتحل محله فيما بعد ثكنات جيش الاحتلال البريطاني. وبعد جلاء البريطانيين عن مصر في الخمسينيات بني في مكانه المقر الحالي لجامعة الدول العربية. كان الكوبري على مدى العقود واحدا من المعالم البارزة التي يلتقي عندها العشاق. عشاق الواقع أو عشاق السينما المصرية. كان الموقع المثالي للقاء الأحبة وعند اقدامه وتحت الشمس الحارقة ضرب عبد الحليم حافظ واحمد رمزي كثيرا من مواعيد الغرام التي خلدتها شاشة السينما.

أخرجت جنازة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والحشود التي تجمعت علي الكوبري مشهده إلى حيز الشهرة العالمية. وتناقلت الوكالات صور الجموع المهيبة التي احتشدت عليه، بل وتردد حينها أنه كانت هناك مخاوف من ألا يتحمل الكوبري كل هؤلاء البشر الذين جاءوا لوداع جثمان زعيم هزت خطاباته العروش. وربما تتراجع كل هذه الذكريات أمام مشهد فريد في يوم الغضب تناقلته محطات التليفزيون العالمية وتبادله الناس عبر الهاتف المحمول. ألا وهو مشهد حشود المصلين وهم يتحركون صفا امام صف في مواجهة قوات الأمن وقاذفات المياه في صمود فريد يرغم المدرعات والجنود وشرطة مكافحة الشغب على التقهقر والتراجع.

ليست هناك تعليقات:

اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2013 nourheikel
تصميم : يعقوب رضا